mercredi 21 juillet 2010

في رئاسة السيدة ليلى بن علي لمنظمة المرأة العربية

انحياز لمشاغل المرأة العربية وإصغاء لنداء التغيير والتحديث
بقلم : هشام بن عمار

مبادرات جريئة وقرارات صائبة وإستراتيجيات واضحة تنحاز لمنطق العمل والفعل ومواكبة لحراك الفضاء العربي والإقليمي والدولي بما يستجيب لتطلعات المرأة العربية إصغاء لصوتها وتفاعلا مع مشاغلها...
قد تكون تلك بعض ملامح ومميزات رئاسة السيدة ليلى بن علي حرم الرئيس بن علي لمنظمة المرأة العربية منذ مارس 2009 التي يقر المتابعون والملاحظون بأنها وضعت قضية أوضاع المرأة وبدرجة أوسع قضية تحديث المجتمعات العربية في مدار الاستحقاق الاستراتيجي سياسيا وثقافيا وتنمويا.

إن العنصر الأبرز للمنهجية التي توختها سيدة تونس الأولى في تسييرها لهذه المنظمة العربية هو وضوح الأهداف والخطط من حيث مركزية خيار التحديث والانحياز لمنطق المبادرات والقرارات العملية التي تحفر في الواقع السياسي والتشريعي والمجتمعي العربي وتنشئ جسورا حقيقية لمستقبل أفضل يكون فيه للمرأة العربية كما ذكرت السيدة ليلي بن علي وهي تتسلم رئاسة المنظمة.. «موقع متكافئ مع الرجل في تحقيق ما تصبو إليه المجتمعات العربية من تنمية وتقدم ومناعة شاملة».

فمنذ تسلمها رئاسة المنظمة ، أعلنت السيدة ليلى بن علي أن تونس «أرض اللقاء والحوار» ترى في رئاستها لهذه المنظمة «تكليفا لا تشريفا" مؤكدة ما يحدوها من عزم على جعل فترة الرئاسة التونسية للمنظمة «فترة الإضافة والانحياز إلى الجانب العملي من خلال وضع تصورات منهجية وبرامج عملية لدعم حضور المرأة العربية في الحياة العامة وتوفير المزيد من الظروف الملائمة للدفع بمشاركتها نحو الأفضل في كل الميادين".

جسر تواصل
ولأن هذه المنظمة جسر تواصل وتفاعل بين التجارب العربية، أكدت سيدة تونس الأولى أكثر من مرة على أنها ستعمل طيلة فترة رئاستها من أجل أن تبقى منظمة المرأة العربية «عروة وثقى تعتصم بها النساء العربيات تعزيزا لتضامنهن وحفزا لقدراتهن على العمل الخلاق والمشاركة الايجابية في تحديث المجتمعات العربية وتطويرها»، مشددة على أن الجهد الجماعي يتعين أن يتركز على توفير المقومات الضرورية التي تمكّن المرأة العربية من فرص أوسع للمشاركة وفتح مزيد من الآفاق أمامها وذلك من منطلق الإيمان بأن «لا تنمية شاملة دون أن تكون المرأة شريكا فاعلا فيها".

وفي تجسيم لتلك المنهجية التي تنهل من تجربة وطنية تونسية ذات ريادة أكيدة في مجال النهوض بالمرأة والتشريع لحقوقها كانت الفترة بين مارس 2009 وفيفري 2010 من رئاسة السيدة ليلى بن علي لمنظمة المرأة العربية غنية بالأحداث والقرارات والمبادرات التي استهدفت تحريك السواكن وتحفيز الجهد الجماعي العربي من اجل الانخراط في طور تاريخي جديد تكون فيه المرأة قطب الرحى ومحورا مركزيا في مسارات التنمية والإصلاح والتحديث التي يدرك الجميع أنها لم تعد من باب الترف بل هي ضرورة قصوى ومطلب حيوي في زمن عاصف متحول لا بديل عن مجابهته إلا بالتأسيس لمجتمعات حية تحلق بجناحيها.. الرجل والمرأة، وتستنهض كل طاقاتها دون إقصاء أو ميز.

خطة مستقبلية
وقد كان الوعي عميقا لدى الرئاسة التونسية للمنظمة بأن كسب رهان التنمية الشاملة استحقاق جسيم لا مجال معه لتعطيل نصف المجتمع وهو ما أكدت عليه السيدة ليلى بن علي في جوان 2009 لدى ترؤسها بتونس الاجتماع الرابع للمجلس الأعلى لمنظمة المرأة العربية بدعوتها إلى ضرورة أن تقوم الخطة المستقبلية للمنظمة خلال الفترة 2008 ـ 2012 على دمج المرأة العربية في المسيرة التنموية للأقطار العربية في كنف الشراكة والتعاون مع مختلف مكونات المجتمع المدني.
وتوازيا مع ذاك التوجه الذي يراهن على المشاركة والشراكة في بناء التنمية ويفتح هذا الرهان على أفق من العمل المستقبلي الجماع،ي كان التوافق كبيرا في اجتماع المجلس الأعلى للمنظمة في جوان 2009 على اختيار موضوع «المرأة العربية شريك أساسي في التنمية المستدامة» محورا للمؤتمر الثالث لمنظمة المرأة العربية في أكتوبر 2010 بتونس.

مساهمة المرأة العربية في التنمية
وفي سياق ترسيخ الوعي بمركزية مساهمة المرأة العربية في التنمية، حرصت سيدة تونس الأولى في افتتاحية مجلة "صوت المرأة العربية.. من تونس" على تأكيد الصلة الوثيقة بين نجاح مخططات التنمية وضمان استدامتها وبين الاستثمار الرشيد والمحكم لكافة الإمكانات والطاقات البشرية من الإناث والذكور، مشددة على الوعي الكبير في إطار منظمة المرأة العربية بأهمية إشكالية حضور المرأة في منظومة العمل والإنتاج وبالضرورة الحيوية لإزالة كل المعوقات التي تحول دون استثمار هذا المورد البشري الهام أي المرأة في مسيرة التنمية للبلدان العربية.

إلى ذلك وتجسيما لحركية المبادرة والفعل القائمة على التأسيس الفكري للتحولات والتخطيط المرحلي لمجابهة استحقاقات المستقبل سجل اجتماع المجلس الأعلى للمنظمة في جوان 2009 بتونس مقترحا هاما لسيدة تونس الأولى مداره الدعوة إلى تأسيس مرصد للتشريعات الاجتماعية والسياسية ذات الصلة بأوضاع المرأة في الأقطار العربية.. وهو مقترح يحيل من حيث المرجعية السياسية والثقافية والمجتمعية التي أسندته إلى تجربة تونس المستقلة في مجال التحديث الاجتماعي لجهة الإدراك العميق لأهمية التشريعات في التأسيس لنقلات نوعية على مستوى الواقع المجتمعي وعلى صعيد العقليات والبنى الثقافية والسلوكية.
وقد انبثقت هذه الرؤية عن إدراك عميق بأن الانتقال بالمجتمعات العربية إلى طور جديد أكثر تقدما بالمعاني السياسية والثقافية والتنموية يظل رهين جهد إصلاحي مصمم وجهته المستقبل يستند إلى أساسيات الهوية الحضارية للشعوب العربية وإلى مكاسب البشرية وفتوحات عصر المعرفة والتكنولوجيا. وأكدت السيدة ليلى بن علي دوما على أن «تجذير حقوق المرأة في الواقع العربي لا بد أن يستند إلى مرجعية حقوق الإنسان الكونية وإلى المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بالمرأة وفي مقدمتها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»
المشاركة في مسارات التحديث والتطوير
وعلى الرغم من أوجه القصور والتشتت التي لا تزال تشوب العمل العربي المشترك في أكثر من مجال حيوي فإن القناعة واسعة لدى سائر الأقطار سيما منذ القمة العربية بتونس سنة 2004 بأن تحديث المجتمعات العربية والسير بثبات وتصميم على طريق ترسيخ قيم كونية مثل الحرية والديمقراطية والتعددية والمساواة بين الجنسين يعتبر طوق النجاة والسبيل السالكة لمجابهة تحديات العولمة الجسام ومحاذير التنميط الثقافي وبناء تنمية حقيقية تقوي أسباب الصمود والمناعة بمعانيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولئن كانت مسارات الانخراط في هذا التوجه الإصلاحي تسير بأنساق مختلفة تبعا لخصوصيات كل بلد وما يزدحم به واقعه من معوقات موضوعية فإن استقراء المشهد العربي الراهن رغم التباينات المسجلة هنا وهناك ينبئ بأن طورا حاسما من الحراك المجتمعي والتشريعي والثقافي قد تم تدشينه وكان فيه قطعا لجهود منظمة المرأة العربية ورئاستها الحالية دور إيجابي وإسهام غير يسير لأن تلك الجهود التي ترجمتها مبادرات وقرارات ومشاريع وبرامج مدققة اتسمت بنأيها عن التعسف على الواقع وتوخيها منهجية قوامها حفز الحكومات وتنظيمات المجتمع المدني وقادة الفكر والرأي على الانخراط في جهد إصلاحي مشترك يبتعد بخيار التحديث المجتمعي عن منطق الخلاف السياسي والمصلحة الآنية وينزله في الوعي كما في الممارسة في مرتبة الاستحقاق الحضاري الذي لا يقبل التهاون أو التقصير أو التأجيل.

تكريس القيم الإنسانية
وفضلا عن البعدين التشريعي والمؤسساتي لتحرك الرئاسة التونسية لمنظمة المرأة العربية كان لقضايا الواقع المجتمعي والأسري المتصلة بالمرأة حضور هام في أجندة عمل سيدة تونس الأولى من ذلك مضامين الرسالة التي توجهت بها السيدة ليلى بن علي إلى السيدات الأول بالدول العربية بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الموافق ليوم 25 نوفمبر من كل سنة والتي أبرزت فيها حرص تونس على تعبئة كل الطاقات والجهود للتوعية بخطورة ممارسة العنف عامة وضد المرأة بصفة خاصة من خلال إقرار استراتيجية وطنية للوقاية من السلوكيات العنيفة في الأسرة والمجتمع.
وأكدت على تعزيز تبادل الخبرات والمعلومات بين الدول الأعضاء بالمنظمة في هذا المجال والاستفادة منها في بلورة الإستراتيجية العربية لحماية المرأة من العنف التي تعتزم المنظمة إعدادها سنة 2010 وهو ما جسمته ورشة العمل العربية التي احتضنتها تونس من 6 إلى 8 ديسمبر 2009 .
وقد أتبعت الرئاسة التونسية تأكيدها على تلك التوجهات بعمل توثيقي هام يعالج ظاهرة العنف المسلط على المرأة وسبل التصدي له ثقافيا وقانونيا بأن بادرت ضمن منشورات منظمة المرأة العربية بإصدار مؤلف تحت عنوان "العنف ضد المرأة بين سطوة الواقع وتكريس القيم الإنسانية».. جاء غنيا بإسهامات عدد هام من الباحثات والباحثين من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والأردن.
وتولت السيدة ليلى بن علي تقديم الكتاب بتوطئة أكدت فيها أن هذا التأليف «يمثل لبنة من إستراتيجية أكبر وأشمل نلتزم بالمساهمة الفاعلة في بلورتها ونتعهد بالسعي إلى تجسيمها تأكيدا لذات المرأة العربية وصونا لكرامتها الإنسانية وترسيخا لحقوقها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان"
.
رعاية متميزة للفئات الخصوصية
وفي سياق تجاوب منظومة العمل العربي المشترك مع مقترحات الرئاسة التونسية لمنظمة المرأة العربية، يسجل المتابعون أيضا اعتماد مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العربي سنة 2009 لمبادرة السيدة ليلى بن علي الداعية إلى إقرار «يوم عربي للمسنين» يتم الاحتفال به يوم 25 سبتمبر من كل سنة.

وكانت سيدة تونس الأولى قد أطلقت هذه المبادرة ضمن الرسالة التي توجهت بها في سبتمبر 2009 إلى السيدات الأول بالبلدان العربية الأعضاء في المنظمة وعضوات المجلس الأعلى للمنظمة الجمعيات والمنظمات الأهلية والمدنية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمسنين والتي أكدت فيها أن التحولات الديمغرافية على صعيد البلدان العربية في ضوء ما تشير إليه الإحصاءات الوطنية اليوم من ازدياد عدد المسنين في التركيبة السكانية يستدعي «إحداث يوم عربي للمسنين يكون فرصة متجددة لتبادل الخبرات وتنسيق الجهود والتعاون عربيا من اجل واقع أفضل للمسنين العرب» وبما يكفل «تدعيم أسس مجتمعات عربية متماسكة ومتضامنة ومتوازنة لكل الأجيال والأعمار».

إشعاع دولي
على صعيد آخر كان لمنظمة المرأة العربية وقيادتها حضور مميز في فعاليات دولية متخصصة ذات أهمية لعل أبرزها المشاركة منتصف شهر نوفمبر 2009 في القمة الثانية للسيدات الأول لدول عدم الانحياز التي احتضنتها العاصمة الايطالية روما حول موضوع «الأمن الغذائي وفرص وصول المرأة إلى الموارد» والتي أبرزت خلالها ليلى بن علي متانة علاقة المرأة بقضية الأمن الغذائي باعتبار أن الحصول على الغذاء حق أساسي من حقوق الإنسان ومقوم حيوي لأمن الشعوب وسيادتها.

وقد شددت رئيسة المنظمة في كلمتها بقمة روما على أنه «لا تقدم للمجتمع إلا بتحسين أوضاع المرأة في المدينة كانت أو في الريف ولا اكتفاء غذائي إلا بتكافؤ فرص العمل والشراكة أمام الرجل والمرأة على حد السواء»، مؤكدة حرصها من خلال رئاستها لمنظمة المرأة العربية على مزيد دعم مختلف البرامج التي تسهم في تحسين أوضاع المرأة العربية والرفع من قدراتها الذاتية حتى تضطلع بدورها كاملا في تعزيز مقومات التنمية الشاملة والمستدامة بالأقطار العربية اعتمادا على مبادئ المساواة والعدالة والشراكة المتكافئة بين الجنسين.